رسالة الى اطفال وطني ...
الى  الاباء والامهات ...




تذكر يا ابن بلدي الصغير والكبير بني تجيت والمغرب الشاسع .. وانت تلعب وتلهو وتمرح برمال الشواطئ والبحار  او  المسابح والمنتزهات , والتي لا نعرف عنها شيء الا ما نراه بالتلفاز او الرسومات الملونة بالكتب المدرسية ...
وانت تترقب  قدوم ايام العيد  وفرحة  الملابس الجديدة واللعب النارية ... والتحلق  حول مائدة ما طاب ولذة من الشواء والفواكه اللذيذة والمشروبات الطبيعية  والمصنعة ...
وانت  تقوم بكل ذلك, لا تنسى  انه يعيش  باحياء بلدتك الفقيرة وباحياء   مدنك الكبيرة والصغيرة , وفي قرى الوطن وهوامشه المنسية والمحاصرة بين الكثبان الرملية والصخور الصماء , او الجبال الشاهقة الارتفاع  ..اطفال في عمر الزهور  يتموا مؤقتا وفطموا من حنان الاباء  او الاخوة الاشقاء البكور منهم .
اطفال يتموا  لان العصابة التي تحكم  الدولة , كما قال عنها بطل الريف عبد الكريم الخطابي , اختطفت اباءهم واخوانهم واخواتهم  من بين اسواء الاكواخ والدور البئيسة ومن فوق  الاسرة المهترئة التي تؤرخ لسنوات القهر والفقر والفاقة ..وزجت بهم في الاقبية المظلمة والمرعبة  بسجون المغرب السعيد الذي يحسدوننا عليه علية القوم في العالم ..
وانا ايها الصديق  والقرين ..ابن ادريس امنعي  المواطن العصامي المثقف والمتعلم  واحد من من هجر الفرح والمرح واللعب واللهو حياته ,  وهجرت الطفولة من افئدة الصدر والعقل والقلب .. وصرت في سن الخامسة كهلا  يرقب كل مساء وصباح اطلالة الوالد والصديق ادري ساو كما كان يحلو له ان اناديه الرفيق ادريس ..
فهل تعلم يا صديقي ويا ابن بلدياتي ,  والحامل لنفس جلدة وطني من يكون ابي  وصديقي ورفيقي ادريس امنعي ؟؟
وهل تعلم لماذا يتمتني عصابة الرباط  من ابي  وحولت طفولتي الى صحراء البؤس والشوق والحنين ؟؟؟
رفيقي,  ابي,  ادريس امنيعي  مواطن من قطعة تراب غالي اسمها بني تجيت , سليل اسرة فقيرة لكنها غنية  بالكرامة والمروءة والرجولة والشرف , تكره الظلم والحكرة  وتحب الخير والعدل , حصل على شهادة الاجازة سنة 2009 رغم الظروف  العصيبة وفقر الجد , ورغم  العوائق والعراقيل التي تضعها الدولة في وجه ابناء الفقراء حتى  لا يدرسون ويتعلمون ويحسنون اوضاع عائلاتهم واسرهم ..رغم الشهادة العليا التي حصل عليها , حكمت عليه العصابة الحاكمة وسابقتها بالبطالة ,لم يستسلم با ادريس درس من جديد وحصل على دبلوم مهني , لعله يمكنه من ايجاد فرصة عمل لبيع قوته العضلية والدهنية , وكان كل التحصيل  العلمي والمهني مضيعة لسنوات من العمر وشحيح المال .. ولان  امنيعي من طينة  الذين لا يكلون ويتعبون او يهزمون , امتهن  كل الحرف  والمهن  : اشتغل في البناء والفلاحة" لذى كروش الحرام" من اغنياء البلدة  , تعاطى لتجارة التقسيط متنقلا بين الاسواق والبلدات المترامية الاطراف بصحراء  شرق الوطن الحبيب ..
با ادريس ورغم  الالتزامات الاجتماعية  الكبيرة لاعالة الاسرة  والعائلة وسد حاجياتها الضرورة كي تبقى على الحياة , لم يغب ولم يتنكر  لابناء البلد واناسها الطيبون ,  ذائما في صفوفها الاولى مطالبا بحقوقها  الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية  مؤطرا لاحتجاجاتها وتحركاتها الشعبية المتواصلة , كي يرشدها الى الطريق الصحيح وحتى لا تبقى فريسة الاستغلال الثعلبي لكل المتلونين  الحزبيين والسياسيين  الذين لا يرون في الجماهير الا ارقاما واصواتا انتخابية  او قوة ضغط لتحسين المكانة ودرجة القرب من  السلطة واجهزتها ..
كل جماهير  بلدة بني تجيت ,  تالسينت ,فجيج , كرامة, بوعرفة  تعرفه وخبرته عن قرب , وامتحنت صدقه واخلاصه ووفائه .  معطلي  وطلاب البلدات ايضا وجدوا فيه المدد والسند والمعلم المجرب  وشعلة الامل التي تزرع التفاؤل والايمان بحتمية الانتصار وافول ليل الاستغلال والقهر ..
با ادريس  اكثر من اب حنون .. اكثر من صديق .. حينما  تريده ان يكون قرينا  طفلا  تراه صغيرا  غرا  يلعب ويلهو ويمرح مع الاطفال  ويؤنسهم  بحكايته وقصصه  الحقيقي منها والمتخيل  انه في الحكي والقصة مدرسة متنقلة سهلة وبسيطة الخطاب والكلمات .. وحين تحتاجه ابا قويا وظلا تجده كالجبل والاسد الزائر يرد الشدائد  والمخاطر ويظلل الجميع بالحنان الابوي
با ادريس  يصعب  وصفه وايفاءه حقه ليس لانه ابي الذي افتقدته لانه المغربي الشهم  الاصيل  من معدن لا يمكن ان يطاله الصدا مهما تكالب الاعداء والمهزومين ...معدن  نحت من صلبه رجال على قوة وصلابة مقاومتهم نحطمت جيوش الاستعمار التركي  بين كثبان رمال وصخور الصحراء الشرقية  وحطم اسطورة الجيوش الاستعمارية الفرنسية ومرتزقتها من افريقيا وشمال القارة  في حالة فريدة في التاريخ لم تعترف بالحدود المصطنعة بين  الثورة التحررية الجزائرية ومثيلتها المغربية .. وعلى تضحيات وبطولات مناضليها العظام  في سبعينات القرن الماضي  وما بعدها انهزمت فلول  عصابات النظام الحاكم  ولا يزال شلال الدم متواصل ومعها اجيال المناضلين في تناسل وكانها خلايا النحل  ...
اعتقل با ادريس  في شهر يوليوز من هذا العام  بعد حملات   ارهاب متواصل  كانت تقوم بها  فرقة الدرك  لافراد اسرتي  وعائلتي  لا تميز في حملات اقتحام  كوخنا الدافئ  بين النهار والليل .. ولم  تفتر يوما ما  وفي كل زيارة  من امطارنا  بقاموس مليء بالحقد والعنصرية والحكرة والتعالي .. وبكلمات  تنهل من مستنقع السقوط الاخلاقي  والتفسخ والانحطاط الذي لم نؤلفه بأسرتنا وذات يوم قيد والدي وسيق الى سيارة  الدرك لينقل الى مركز الدرك ببني تجيت  ومنه رحل الى بوعرفة وطالت غيبته الى الان .
اعتقل ابي لانه امن بان الوطن يتسع للجميع  وهو للجميع وليس لحفنة من  السراق والبياعة والخونة خدام الاستعمار .  ولانه احب الناس والفقراء منهم ونذر حياته ووظف علمه وثقافته وفصاحة لسانه لخدمتهم والدفاع عن مصالحهم ومطامحهم .. وهو الان بقبو سجن بوعرفة لانه كان يقود جموع الفقراء نساءا ورجالا شبابا واطفالا  الى مشارف  وحاوشي البلدة حيث تستوطن ثروات الوطن  تحت  جبال الرمال وبين الصخور الصلبة ويقول لهم .. انتم فقراء  لان ثرواتكم تسرق وتنهب من  خونة الوطن وعملاء الاستعمار  وترحل الى  اسيادهم باروربا وامريكا .. ويشير  الى  البعيد حيث  الشواطئ والبحر الممتدة شمالا وشمال شرق وغربا  حيث الثروات تباع من سماسرة الوطن في عمق البحر وعلى اميال من  اليابسة .
غيب والدي بزنازن القهر  وابعد عن اهلنا وعن الناس التي عشقها حد الجنون لانه تقدم صفوف المحتجين  رافعا راية العصيان في وجه الاخطبوط الذي  لم يشبع من استنزاف عرق وعضلات  جماهير البلدة وامتد لافراغ جيوبهم المثقوبة  بمبالغ باهضة  ثمنا  لاستهلاك الماء والكهرباء  ولانه حمل  بمعية رفاقه  ابطال شباب المنطقة  بوصلة ومنارة المسيرة الى النصر ..
مسيرة  عمرت  شهور كبرنا معها نحن الاطفال وكبر همنا  ووشمت ذاكرتنا بمشاهد  الهراوات  والادرع الواقية والسيارات المصفحة وصفاراتها التي تهز اركان وسكون البلدة .. راهنت عصابة الرباط وممثليها بالمنطقة  كل هذا الوقت على ان يدب العياء  والوهن في صفوف جيش الفقراء وانكسار  با ادريس وعمو  الصادق وخالد وميلودة وبنعزوزي وغيرهما كثير ..وخاب ظن الاعداء والجبناء ..
اعتقل بادريس  وتمت مطاردة  رفاقه لانه لم يحصر اهتمام فقراء البلدة بين جغرافية الرمال والصخور بل امتد بهم بعيدا الى عالم الشهداء وخاصة الشباب الابطال  حيث رفرفت صور البطل  مصطفى مزياني عاليا في سماء بني تجيت في دكراه الثانية ومعه صور قامات  كبيرة من شهداء  الشعب  شباضة سعيدة الدريدي نورالدين  زروال ... وصور المعتقلين السياسيين  بسجون واقبية المخافر بربوع الوطن ..حينها عرفت  لماذا  بادريس يملا غرفته واسوار بيتنا المتهالك بصور كنت اخلهم  لافراد عائلتي  ولم اعرف لماذا يزداد عدد الصور وينقص بين الفينة والاخرى .. وحينما اعتقل  والدي ادركت ان الرابطة بين  امثال هؤلاء اكبر من الاخوة والعمومة والخؤولة ...
با ادريس او الرفيق ادريس كما يحلو له ان اناديه  هو الان بين يدي السجان  بسجن بوعرفة  تسحقه لدغات الناموس والبق .. وتلفحه حرارة شمس صحراء  الشرق في شهر غشت ..  لم يستسلم لارادة   الجلاد وجبروت العصابة يقاوم من عرينه  كل اساليب الترهيب  والرعب  ويكسر بروحه وفكره  قضبان واسوار السجن  وبمحاكمهم يفند حججهم بابتسامته  المرعبة  وهدوءه الذي يشبه البركان الهامد .. تقهرهم ابتسامته الساخر وهو يسمع حجم التهم المفبركة والمطبوخة :  العصيان . اهانة موظف والاعتداء عليه . حمل سلاح في ظروف من شانها  تهديد سلامة الافراد واموالهم , العنف , التهديد بارتكاب جناية , التجمهر المسلح  " .
ولان  والدي  ليس من النوع الذي يستكين او يستسلم  قرر مقاومة  جبروتهم وفضح تؤامرهم  ونزع الستار الحريري عن فاشيتهم  وكان سلاحه في المواجهة الامعاء الفارغة  وهو اليوم في جوعه  الذي قفل خمسة عشرة يوما والتي لم تنل منه ابدا ومن عزيمته وقناعته التي حملتها رسالته المختصرة التي حمل امانة تبليغها لرفيقه  ودفاعه الشريف  ذ/ عبد العزيز الغازي الفطواكي ..
يا ابناء بلدي ووطني .. ويا اقراني تذكروا ان السطور التي  اختطها قلمي ونطقها لساني تبقى  مجرد خطوط لحظة معاناة  واحد في بحر المحن لن تفي  حق زملائي الذين يقاسمونني المحنة من ابناء معتقلي الريف :  ابناء  جلول . الحرودي ... واشقاء معتقلي الحركة الطلابية :  زكيا , اكرام, شعول, العلمي, الرمادي ... .
واليك يا ابي  رفيقي وصديقي  الف قبلة على جباهك وبوسط كفك .. نعم لقد اشتقت  اليك للمستك  ولاحتضانك لي بين دراعيك .. اشتقت   لعلبة داون الذي لا يمكنك ان تلج البيت الا وهي  في يديك .. اشتقت  للاناشيد الثورية التي تسمعني اياه قبل فترة نوم هادئ .. اشتقت   لكل هذا  ورغم اليتم  المؤقت والفطام التعسفي فاني لم انزوي  في زوايا  الغرف او اختبا من عيون الناس  تحسرا او خوفا ... ارادوا كسري وتحطيمي  لكنهم من حيث لا يدروا صنعوا مني كهلا  ساظل اطاردهم بورقتي البيضاء المكتوب عليها كلمتين : "الحرية لابي" والتي اوصلها رفاقك ومحبيك الى العالم  ودفاعك المناضل الى الجلاد الذي طلب خمسة ملايين من اجل حريتك المؤقتة وستصل الى جميع الاصقاع  لتملا العالم ضجيجا حتى لا ينام الطغاة على  انين الفقراء .
ختاما لك المجد يا رفيقي  وصديقي   يا ابي الغالي . وعبرك الى رفاقك المطاردين والمهجرين  وقبلهم المعتقلين .. مجدا لهم على الدعم والمساندة والمتابعة المادية والمعنوية  رغم القمع والارهاب .. ورغم  حملات التسميم والطعن من الخلف من طرف  الجبناء الذي يطلون علينا هذه الايام واهمين اننا سنصدقهم لانهم تناسوا ان ذاكرتنا ذاكرة اطفال بيضاء تسجل  بالصوت والصورة الاحداث والوقائع والاشخاص ..
سنكبر ويكبر معنا الامل  وكل اطفال عاشورا سيكبرون ويعرفون الاعداء واحدا واحدا .. يومها  الوثبة الكبرى .. لم يبقى من الذكرى الا عاشورة .
منقول عن صفحة
Tavaris anfas


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المعتقلين السياسيين على خلفية مؤامرة 24 ابريل 2014

اراء حرة ..... وثائق ومناقشات

اراء حرة ....وثائق ومناقشات - استقلال ام استبدال طبقي ؟