في ذكرى الشهيد الحساني

شهادة مؤثرة لعبد الحليم البقالي حول حيثيات إغتيال كمال الحساني


دليل الشمال : عبد الحليم البقالي 

التقيت بالشهيد كمال الحساني صبيحة يوم 27 أكتوبر 2011 بمقهى الأصدقاء ببني بوعياش، أي مباشرة بعد عودته من معركة تأسيس الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلي بالمغرب بالدار البيضاء، كان الإرهاق باديا على وجه الشهيد... عندما إستفسرته عن الأمر، قال أنه لم يذق طعم النوم بعد وصوله إلى بني بوعيشا في الصباح الباكر.... حدثني قليلا عن الظروف النضالية التي مرت فيها المعركة لأنني لم أحضرها بسبب المتابعة القضائية التي تلت إختطافي ليلة 14 أكتوبر.... بعد دقائق استأذن الشهيد بالإنصراف والذهاب للنوم قليلا قصد التخفيف من حدة التعب والارهاق...

كانت الأيام الأولى من معركة الجماهير الشعبية ببني بوعياش ضد فواتير الماء والكهرباء وسوء تدبير القطاعين إلى جانب استمرار معركة الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية في إطار حركة 20 فبراير المجيدة بالمنطقة، والتي غالبا ما كانت تقيم جموعاتها العامة يوم الخميس للتقرير في طبيعة الأشكال النضالية ليوم الأحد، حيث كانت الحركة ملتزمة بهذا الشكل التنظيمي التقريري رغم غياب المقرات المحتضنة لهذه الأشكال.
بعد مشاورات بين مناضلي الحركة، اتفق الجميع على عقد الجمع العام في نفس اليوم (الخميس 27 أكتوبر 2001) بالساحة المحاذية لكشك الكاتب الروائي المناضل الفقيد "المتقي أشهبار"(لم أتذكر بالضبط الساعة المتفق عليها لبداية الجمع العام).
حوالي الساعة السابعة انطلقت من إحدى المقاهي قاصدا معتصم الساكنة لتذكير الجماهير بمكان الجمع العام، وفي طريقي التقيت بالشهيد قبالة مقر البلدية.... بعد أن سلمت عليه سألني عن وجهتي، وحين أجبته قال وهو يشهر صورتين: "أنظر، لقد أتيت بصورتي الشهيدين مصطفى الحمزاوي ونجية أدايا لنضعهما في أرشيف الفرع المحلي" .... عبرت عن تحياتي له على هذه المبادرة وإستأذنته بالذهاب لتذكير الساكنة بمكان الجمع العام على أن ألتحق بالكشك لاستكمال الحديث...
بعد أن قمت بالمهمة عدت إلى الكشك وطلبت من الفقيد "متقي أشهبار" سجارتين وفنجان قهوة، ثم ذهبت وجالست الشهيد فبدأ يطلعني على بعض الصور والفيديوهات المسجلة في هاتفه الخاص والمتعلقة بمعركة ذكرى تأسيس الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب.... قبل أن ننتهي من مشاهدة أحد الفيديوات.... نادني الفقيد "المتقي" لأستلم السجارتين والقهوة التي طلبتها... وعند عودتي لاستكمال الحديث مع الشهيد وجدت أحد الرفاق جالسا مكاني، ما دفعني للجلوس قبالة الشهيد..... فجأة رأيت القاتل المسخر(ت.أ) على بعد حوالي 40 مترا وهو يقطع الشارع وخطواته توحي بأنه منشغل بأمر ما... بدأت ألاحقه بنظراتي لأنه قبل يومين أتى عند الفقيد متقي أشهبار مستفسرا عن مكان تواجدي.

التحقت بالكشك بعد أن هاتفني الفقيد "متقي" كون شخصا ما يستفسر عنك..فسألت هذا الشخص، ما الأمر؟ أجابني أن المعطلين قاموا بتصويره ونشروا صوره في المواقع الإلكترونية، قلت له كيف عرفت ذلك؟ وأين نشرت هذه الصور؟ أجاب أن هناك من أخبره بالأمر.... انصرفت من الكشك بعد أن قلت له بأن ذلك مجرد كذب وافتراء.... تحرك هو أيضا من المكان... وحين أشرف على الإختفاء عن أنظاري عاد مسرعا قاصدا مكان جلوسنا مشهرا سكينا طويلا وموجها إياه إلى الشهيد كمال الحساني، وفي رمشة عين انقض بالسكين على الشهيد قبل أن يوجه له الطعنة الأولى على مستوى العنق والطعنة الثانية القاتلة على مستوى الكلية...
عم الصراخ وسط الجمع والمجرم يحاول اغتيال رفاق آخرين لولا تصديهم له بالكراسي لحماية أنفسهم من ذلك السكين الذي ظل يلوح به بشكل هستيري، حينها سمعت الشهيد وهو يقول بالريفية " يا أمي .. من يكن هذا وماذا فعلت له".... الشهيد خطا بعض الخطوات ثم سقط أرضا... سالت الكثير من دمائه الطاهرة هناك قبل أن يحمل على أكتاف رفاقه تجاه المصحة التي تبعد ببضعة أمتار عن الكشك في انتظار إحضار الإسعاف ... وفي المقابل أسرع القاتل هاربا من غضب الرفاق والجماهير الملتحقة من كل صوب وحدب، وقصد مباشرة مقر الباشوية، ليحاصر هناك وهو مازال يلوح بذلك السكين الملون بدماء كمال الحساني، ويهدد بقتل كل من يحاول الإقتراب منه .. حينها أجرى مكالمة هاتفية وقال بصوت مسموع: "أنا التيجاني، أجيو ولا نقتل هاد الناس كاملين..."
مرت
ﺃﺯﻳﺪ ﻣﻦ 20 دقيقة ﻋﻦ ﻟﻄﻌﻨﺘﻴﻦ ﻟﻐﺎﺩﺭﺗﻴﻦ ﻟﻢ ﺗﺤﻀﺮ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﻹﺳﻌﺎ ﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺒﻠﺪﻳﺔ ﺑني ﺑﻮﻋﻴﺎ ﺃﻭ ﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮء... ﻟﻜﻦ في المقابل ﺣﻀﺮ سيارة 4*4 التابعة لأﺟﻬﺰ ﻟﺪﺭﻙ ﻗﺎﺻﺪ مقر ﻟﺒﺎﺷﻮﻳﺔ، ﺃﻭﻗﻔﻮ ﺳﻴﺎﺗﻬﻢ وﻧﺰ قائد الدرك وعنصرين آﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ عناصر ﻟﺪﺭﻙ، ﺧﺎﻃب قائد الدرك قاتل الشهيد قائلا ،"ﻣﻲ ﺩﺍﻙ ﻟﻤﻮ"، ﻟﻢ ﻳﻜﺘﺮ القاتل ﻷﻣﺮﻫﻢ، اﻗﺘﺮﺑﻮ ﻣﻨﻪ ﺛﻢ ﻣﺪ ﻟﻬﻢ السكين ﺑﻜﻞ ﺑﺮﻭﺩﺓ ﻭﺩﻭﻥ ﺃﻱ ﺭﺩة ﻓﻌﻞ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺮﻓﻘﻬﻢ ﻟﻰ ﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﺒﻠﻮﻩ وﻳﻀﻌﻮ ﻷﺻﻔﺎ ﺑﻴﺪﻳﻪ ﻻ ﺑﻌﺪ صعوده على متن ﻟﺴﻴﺎﺭﺓ.

ﻟﺸﻬﻴﺪ ﻛﻤﺎ ﻟﺤﺴﺎﻧﻲ ظل ينزف ولم تحضر ﺳﻴﺎﺭﺓ لاﺳﻌﺎ في حينها ﻏﻢ ﻹﺗﺼﺎﻻ ﻟﻤﺘﻜﺮﺭﺓ التي أجراها العديد من الحاضرين للمسؤولين المعنيين...

وبعد مرور أزيد من 45 دقيقة ﺣﻀﺮ
ﺳﻴﺎﺭﺓ ﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻏﺎﺑﺖ سيارة الاسعاف ﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪﻳﺔ رغم أنها قريبة... ﻧﻘﻞ حينها ﻟﺸﻬﻴﺪ ﻛﻤﺎ ﻟﺤﺴﺎﻧﻲ ﻟﻰ ﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﻟﺠﻬﻮ ﺑﺎﻟﺤﺴﻴﻤﺔ ﻫﻮ ﻏﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﻪ ﻟﺰﻛﻴﺔ ﻣﻌﻪ ﻓﺎﻗﻪ...اﻟﺘﺤﻘﺖ ﺑﺪﻭﺭﻱ ﻣﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ بالمستشفى الجهوي ﻛﻠﻨﺎ ﻣﻞ ﻓﻲ نجاة ﻛﻤﺎ ﻟﺤﺴﺎﻧﻲ... ﻋﻨﺪ ﺻﻮﻟﻨﺎ لباب المستعجلات وجدنا ﻟﺮﻓﻴﻖ (.) ﻟﺬ ﺭﺍﻓﻖ ﻟﺸﻬﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﻹﺳﻌﺎ ﻳﺬﺭﻑ ﻟﺪﻣﻮ... ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺣﻴﻨﻬﺎ أن ﻟﺮﻓﻴﻖ ﻛﻤﺎ ﻟﺤﺴﺎﻧﻲ قد استشهد... ﻟﻢ أتمالك ﻧﻔﺴﻲ وبدأت ﺻﺮ ﺑﺼﻮ ﻋﺎﻟﻲ:"ﻛﻤﺎ ﻣﻮ".... ﻓﻘﺪ ﻋﻴﻲ ﻣﻦ ﺷﺪ ﻟﺼﺪﻣﺔ ولم أسترجعه إلا حين وجدت نفسي ﺩﺍﺧﻞ ﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ...

لقد ﻛﺎﻧﺖ
ﻟﺼﺪﻣﺔ ﻗﻮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺼﻮ ﻟﺠﻤﻴﻊ.. اﺳﺘﺸﻬﺪ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻠﻰ ﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻋﻨﺪ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺳﻠﻲ -ﺣﺴﺐ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻟﺮﻓﺎ ﻟﻤﺮﻓﻘﻴﻦ- ﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺪ ﺑﺒﻌﺾ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮﺍﺕ ﻋﻦ ﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﻟﺠﻬﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻋﺪ ﺣﻀﺎ لاﺳﻌﺎ ﻓﻲ ﻟﻮﻗﺖ ﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﺐ ﻟﻪ ﻧﺰﻳﻔﺎ ﺩﺍﺧﻠﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮ ﻟﻜﻠﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﻷﻃﺒﺎء...

ﻋﺪﻧﺎ
ﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻨﻲ ﺑﻮﻋﻴﺎ ﺩﻭﻥ ﻛﻤﺎ ﻟﺤﺴﺎﻧﻲ وﺟﺪﻧﺎ ﺟﻤﺎﻫﻴﺮ ﻏﻔﻴﺮ ﺑاﻧﺘﻈﺎﻧﺎ ﻗﺮ ﻣﻜﺎ وقوع الجريمة ﻣﻌﻠﻨﺔ لاﺳﺘﻨﻔﺎ ﻭﺍﻟﺤﺪﺍﺩ... ﻋﻠﻨﺎ ﻫﻨﺎ عن ﺎﺳﺘﺸﻬﺎ ﻟﺮﻓﻴﻖ ﻛﻤﺎ ﻟﺤﺴﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺑﻠﻄﺠﻲ ﻣﺴﺨﺮ ﻛﺎ ﻳﺘﺮﺑﺺ ﺑﻪ ﺑﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ آﺧﺮﻳﻦ ... ﻟﻴﻨﻀﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺷﻬﺪء ﻟﺸﻌﺐ ﻟﻤﻐﺮﺑﻲ، ﻟﺠﻤﻌﻴﺔ 20 ﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻟﺤﺎﻣﻠﻲ ﻟﺸﻬﺎﺩﺍﺕ ﻟﻤﻌﻄﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮ ﺣركة 20 ﻓﺒﺮﻳﺮ.

ﻟﻢ
ﺻﺪ ﻟﺨﺒﺮ ﻏﻢ ﻣﺮﻭﺭ ساعات ﻋﻦ الواقعة... ﻛﻨﺖ ﺗﻤﻨﻰ ﺃﻥ يكون ﻟﻚ ﻛﻠﻪ مجرد كابوس أتخلص ﻣﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎ... فقدت قدرتي على المشي وﺃﻭﺻﻠﻨﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻟﺮﻓﺎ ﻟﻰ ﻣﻨﺰ ﺣﺪ ﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ ﺑﻮﺳﻂ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ أهم إلى الجلوس بهذا المنزل، ﺗﻮﺻﻠﺖ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ اﻋﺘﻘﺪ في البداية ﻧﻬﺎ ﺗﻌﺰﻳﺔ عن اﺳﺘﺸﻬﺎ ﻓﻴﻘﻨﺎ، ﻟﻜﻦ ﻷﻣﺮ ﻛﺎ ﻋﻜﺲ ﻟﻚ، ﻓﺘﺤﺖ ﻟﺮﺳﺎﻟﺔ لأصدم مرة أخرى ﻋﻨﺪﻣﺎ وجدت ﺃﻥ الرسالة صادرة عن ﻟﺮﻗﻢ ﻟﻤﺸﺆﻭﻡ ﻟﺬ ﻛﻨﺖ ﺗﻮﺻﻞ ﺑﺮﺳﺎﺋﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪﻳﺔ ﻣﻨﻪ ﻗﺒﻞ ﺳﺒﻮع عن استشهاد كمال الحساني ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻮﻣﻲ، وهذه هي كلمات الرسالة كما وصلتني بشكل حرفي:

sir 3la slamtak flati, lakin nobtak 9riba wila 3andkom chihaja diroha azbal

هكذا أكتملت
ﻟﺼﻮﺭﺓ عن ﺗﻮﺭﻁ النظام بالمغرب في تنفيذ جريمة تعد من أبشع عمليات الإغتيال السياسي في القرن الحالي.

نعم... اغتيال الشهيد كمال الحساني المناضل الصلب والصادق والمبدئي يشكل جرحا غائرا وحدثا قاسيا جدا بالنسبة لعائلة ورفاق وأصدقاء الشهيد ولعموم الشعب المغربي، ، لكن ما لا يدركه النظام والذين سخرهم ليدبروا وينفذوا هذه الجريمة البشعة هو أنهم لن يستطيعوا حرماننا من حمل صورة الشهيد القدوة والبطل في وجداننا وذاكرتنا الشخصية والجماعية... كما لن يستطيعوا محو آثار جريمتهم البشعة مهما حاولوا... ولن ينفلتوا من مقصلة الشعب حين سيقول كلمته مهما طال الزمن.

كمال يكبر معنا وفينا، وسنظل أوفياء للمبادئ النبيلة التي آمن بها واستشهد من أجلها حتى النهاية.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المعتقلين السياسيين على خلفية مؤامرة 24 ابريل 2014

اراء حرة ..... وثائق ومناقشات

لكسر جدار الصمت .....