اراء حرة : الامبريالية العالمية و تخريب الانتفاضة الشعبية في تونس

نشر حزب الوطد الثوري الماركسي ـ اللينيني بتونس على صفحته الرسمية بالفايس بوك دراسة تعرض وجهة نظرها في مسار  الانتفاضة التونسية  2011  رصد من خلالها  التدخل الامبريالي  لتوجيه مسار الانتفاضة  الذي افضى الى اجهاضها. ونظرا لاهمية الدراسة  وما تضمنته من معطيات وتحليل للانتفاضة يسر " الصباح الاحمر " ان تعيد نشرها  لتعميم الاطلاع للرفاق والاصدقاء والاستفادة من دروسها  دون ان يعني اتفاقنا  التام مع ما تضمنته من  افكار التي قد نختلف  او نتفق معها , املين ان تكون ارضية لاثارة النقاش  حول انتفاضات الشعوب في الوطن العربي الكبير وفي  المقدمة انتفاضة 20 فبراير 2011 ببلادنا " 

الامبريالية العالمية و تخريب الانتفاضة الشعبية في تونس

خضعت تونس منذ سنة 1881 وعلى امتداد أكثر من نصف قرن للاستعمار الفرنسي العسكري المباشر. ولقد عرقل التغلغل الاستعماري في تونس في مرحلته المباشرة (قبل 1956) وغير المباشرة (بعد 1956) وما يزال تطور القوى المنتجة المحلية ونمو العلاقات الرأسمالية التي بدأت تظهر آنذاك في التبادل التجاري وفي بعض الحرف وذلك بواسطة السيطرة على السوق المحلية بإغراقها بالبضائع ذات الجودة الرفيعة والأثمان البخسة مما تسبب في تقهقر الحرف المحلية ( الشاشية، النسيج، صناعة الجلد والمعادن ...) التي كانت مزدهرة في ذلك الوقت وحال دون تحولها إلى صناعة رأسمالية ممكنة ومتطورة. كما أدخل رأس المال العالمي تغيرات على العلاقات الإقطاعية السائدة في القطر دون أن يمس من جوهرها عندما أنشأ الاستعمار ( بصفة مسقطة وفي حدود ما تسمح به عملية قضاء مصالحه وتحقيق الربح الأقصى) معامل الصناعات الخفيفة ذات الصبغة الإستخراجية ( فسفاط، بترول) والتحويلية والتركيبية ومد السكك الحديدية لتسهيل نهب خيرات القطر وأدخل جزئيا المكننة في الزراعة واستعمال المواد الكيميائية كل ذلك في إطار تصدير بضائعه وإحكام استغلال الأرض من قبل الاستعماريين الذين صادروا أراضي الفلاحين ، ولم يكن ذلك البتة في إطار تطوير القوى المنتجة المحلية التي بقيت متخلفة إلى يومنا هذا.
 فالاستعمار لم يقم إذن سوى بعرقلة نمو العلاقات الرأسمالية المحلية الناشئة آنذاك وبإدخال تغييرات طفيفة على نمط الإنتاج الإقطاعي السائد في تلك الفترة عبر إيجاد ما هو ضروري لتسهيل نهبه لخيرات القطر وتوظيفه كسوق لتصدير بضائعه ورؤوس أمواله واستغلال قوى العمل فيه، فسعي الامبريالية إلى تقسيم العالم وإعادة تقسيمه والسيطرة عليه واحتكار المستعمرات وأشباهها وحيازتها لا يشترط القضاء على الأنظمة ما قبل الرأسمالية في الأقطار المستعمرة وشبه المستعمرة بل يفترض على العكس من ذلك إعادة إنتاج التخلف على كافة الأصعدة باعتباره شرطا ضروريا لاستمرار هذه السيطرة وهو ما نشاهده بشكل جلي وواضح اليوم في مستوى الوطن العربي مثلا، وما إحياء الحركات الاخوانية الظلامية القروسطية بكل تفريعاتها صنيعة الامبريالية ودعمها وتركيزها في الحكم سوى خير دليل على ذلك. وهكذا يكون العائق للتقدم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي في تلك الأقطار ليس فقط علاقات الإنتاج القديمة المتخلفة السابقة للرأسمالية بل وأيضا القوى الامبريالية والطبقات الرجعية العميلة الماسكة بزمام السلطة. فالنظام الامبريالي العالمي ووكلائه المحليين هو المعرقل الأساسي لتحرر المستعمرات وأشباهها وتطورها الاقتصادي و السياسي والاجتماعي الطبيعي ونمو الرأسمالية الشامل فيها . ونتيجة لكل ذلك كان الشعب العربي في تونس الرازح تحت نير الاستعمار الفرنسي وحكم البايات يعاني أشد المعاناة على جميع الأصعدة. وتواصلت تلك المعاناة بعد ذلك التاريخ كنتيجة لسياسة هذا النظام المنصب اللاوطني واللاشعبي واللاديمقراطي وما فتئت تتعمق على امتداد مرحلة بورقيبة وتتضاعف بعد الانقلاب العسكري الذي قاده في 7 نوفمبر 1987 بن علي خادم الامبريالية. لقد قام النظام الحاكم وما يزال بحكم عمالته وطابعه البوليسي ودفاعا عن مصالحه بقمع الشعب قمعا وحشيا بالحديد والنار على امتداد تاريخه المظلم. لقد قمع الحركة الطلابية المناضلة منذ نشأتها، وواجه بالرصاص الجماهير المنتفضة احتجاجا على سياسته المعادية لها في 26 جانفي 1978 و3جانفي 1984 وفي جانفي 2008 (الحوض المنجمي) وفي ديسمبر 2010، وقمع بطرق بربرية كل المظاهرات التي قام بها الشعب في إطار النضال الوطني والاجتماعي وقد تسبب كل ذلك في سقوط مئات الشهداء وآلاف الحرحى .ولم تتغير طبيعة النظام في شيئ منذ وصول الائتلاف الحاكم الرجعي العميل بقيادة النهضة الى السلطة في 23 أكتوبر 2011 بل لقد عمق هذا الائتلاف ارتباط القطر بالاستعمار العالمي والأمريكي منه بالخصوص وبصناديق النهب الدولية مخربا الاقتصاد المحلي ومعمقا تردي أوضاع الجماهير الشعبية على جميع المستويات ومؤزما الوضع الاجتماعي إلى أبعد الحدود. ووصل الأمر في فترة حكم النهضة حد القيام بالاغتيالات السياسية على غرار ما وقع للشهيدين شكري بلعيد في 6 فيفري 2013 ومحمد البراهمي يوم 25 جويلية من نفس السنة.
وقد اعتبرت القوى الاصلاحية والعميلة 20 مارس 1956محطة هامة في تاريخ تونس المعاصر جسدت وفق قراءتها الخاصة لهذا التاريخ "استقلال" تونس عن فرنسا الدولة الاستعمارية الكبرى. وكان لبورقيبة والحزب الدستوري الجديد حسب زعم تلك القوى دورا أساسيا في تحرير تونس وبناء الدولة العصرية الحديثة. ولكن القراءة المادية للتاريخ تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ما يسمى ببروتوكول 20 مارس من سنة 1956 ليس سوى اتفاقا استسلاميا خيانيا عقد مع السلطات الاستعمارية الفرنسية عرف بـ "اتفاقية الاستقلال التام" حافظ على خضوع القطر للدولة الفرنسية وعلى ارتباطه بعجلة الاحتكارات العالمية. وقد اضطرت الدولة الفرنسية الاستعمارية إلى إمضاء هذا الاتفاق تحت تأثير الضربات الموجعة التي وجهتها لها الحركات الوطنية التحررية الثورية العالمية في المغرب والجزائر و تونس والفييتنام وفي غيرها من المستعمرات الفرنسية، مغيرة اضطراريا شكل تواجدها في القطر من استعمار مباشر إلى استعمار غير مباشر ومنصبة في السلطة نظاما عميلا- قاعدته الائتلاف الطبقي بين البرجوازية الكمبرادورية وكبار الملاكين العقاريين الاقطاعيين وخادمتهم الشريحة البيروقراطية - يقوم بدور الخادم الأمين الراعي لمصالحها ويعمل بالتواطؤ مع القوى الاستعمارية على تصفية المناضلين الوطنيين، سياسيين كانوا أم نقابيين أم مقاتلين ميدانيين. وهكذا أجهضت عملية التحرر الوطني الديمقراطي الفعلي و حال ذلك دون تحقيق استقلال تونس الفعلي. إن هذا الاستقلال المزعوم لم يكن سوى خدعة للشعب، سوى مسرحية مهزلة أخرجتها القوى الاستعمارية ووكلائها المحليين وعلى رأسهم الحبيب بورقيبة وحزب الدستور العميل. إن خصوصية الوضع هذا الذي مرت به تونس على امتداد فترة تاريخية كاملة والذي حددته جملة من العوامل الداخلية والخارجية قد أثر الى حد كبير على تطور الأوضاع داخل حركة الصراع الطبقي والنضال الوطني أثناء انتفاضة 17 ديسمبر 14 جانفي وفي الفترة التي تلتها. فلا يمكن أن نفهم المآل الذي وصلت اليه انتفاضة شعبنا الباسلة خارج هذ المسار التاريخي الذي افرزها
إن الانتفاضة التي عاشتها تونس في أواخر 2010 وبداية 20111 كانت النتيجة الحتمية للسياسة اللاوطنية والشعبية واللاديمقراطية للنظام الحاكم المكرسة للاستغلال الطبقي وللنهب الإمبريالي. فالتدخل الامبريالي في شكله الغير مباشر الاقتصادي منه (تصدير بضائع، نهب الثروات والخيرات ) والمالي ( توظيف مباشر لرؤوس الأموال أو مديونية مجحفة) قد عمق ربط الاقتصاد المحلي بالمؤسسات الاحتكارية العالمية. وقد كان لـ "برنامج الاصلاح الهيكلي "ولاتفاق "الشراكة " مع "الاتحاد الأوروبي" و للاتفاقيات "منظمة التجارة العالمية" " وسياسة الخوصصة و"التأهيل الشامل " الناتج عنها التي انخرط فيها النظام الحاكم في إطار العولمة الامبريالية دورا أساسيا في تخريب الاقتصاد المحلي وفي افلاس العديد من المؤسسات وفي تطور ظاهرة الاحتكار والمضاربة وفي نسف القطاع العام. ان هذه السياسة الاستعمارية النهابة التي ينفذها النظام الحاكم قد أدت الى تفاقم المديونية وارتفاع الأسعار والى تفشي ظاهرة البطالة و تعميم الفقر والتهميش وانتشار الفساد في كل مكان والى نسف المكاسب الاجتماعية الجزئية التي حققها الشعب بتضحياته الجسام فوقع التراجع عن أبسط الخدمات في مجالات الصحة والتعليم والسكن و النقل والتغطية الاجتماعية وغيرها والتخلي التدريجي عن دعم المواد الأساسية. ولفرض الأمر الواقع صادر النظام العميل القائم أبسط الحقوق والحريات وقمع النضالات الشعبية التي ولدتها القضايا الوطنية والديمقراطية والاجتماعية بالحديد والنار وهذا ما تم بالفعل في مواجهة كل الانتفاضات التي عاشتها تونس على سبيل الذكر منذ 1956 والناتجة عن الاستغلال الطبقي والنهب والاضطهاد الامبرياليين. وفي كل مرة تتدخل الامبريالية العالمية الفرنسية منها والأمريكية بالخصوص ووكلائها المحليين بقوة لإجهاض تلك الانتفاضات بوسائل مختلفة في محاولة منها لعرقلة مهمة التحرر الوطني الديمقراطي في تونس وتحقيق استقلالها الفعلي تحركها في ذلك المحافظة على مصالحها الاستعمارية في القطر وما يتطلبه ذلك من تدخل في كل مرة لترميم صفوف النظام المهترئ ولتثبيت أقدام عملائها في السلطة. ولذلك تتالت مؤامرات الامبريالية ووكلائها المحليين وتعددت منذ 17 ديسمبر 2013 لتصفية الانتفاضة الشعبية الأخيرة حتى تتمكن من مواصلة سيطرتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على تونس.
1- القمع البوليسي والعسكري للانتفاضة
 مع اندلاع الانتفاضة الشعبية قام النظام الحاكم العميل ومن ورائه الدول الاستعمارية الكبرى في خطوة أولى للقضاء عليها بقمع الجماهير الجائعة المنتفضة بالحديد والنار وبوحشية لم تعهد من قبل حفاظا على وجوده ودفاعا على مصالح الطبقات الرجعية التي يمثلها ( كبار السماسرة والملاكين العقاريين) وخدمة لمصالح أسياده في فرنسا ودول "الاتحاد الأوروبي" والولايات المتحدة الأمريكية متسببا في سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى، كما زج بالعشرات من أبناء شعبنا ومناضليه الوطنيين في غياهب السجون. ولم يكن بن علي وزمرته الوحيدين الذين قمعوا الانتفاضة بل نسجت على منوالهم وبطرق لا تقل فضاعة الحكومات المنصبة التي ترأسها كل محمد الغنوشي ثم الباجي قايد السبسي وفي مقدمتهما الرئيس المنصب فؤاد المبزع، ثم حكومات " حركة النهضة " الأولى والثانية وعلى رأسها الجبالي والعريض والتي أفرزتها انتخابات شكلية في 23 أكتوبر 2011 خضعت للمال السياسي والتوظيف الاعلامي وتميزت بضعف المشاركة الشعبية في عملية التصويت، وهي حكومات وصل القمع والعنف الرجعي في عهدها حد استعمال الرش في سليانة والاغتيالات السياسية التي طالت كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي و بالمفتي وغيرهم، ويتواصل قمع التحركات الشعبية في العديد من مناطق البلاد مع وصول حكومة الباجي الثانية إلى السلطة برئاسة الصيد، وهي بدورها حكومة أفرزتها انتخابات شكلية عمقت رهن القطر للقوى الاستعمارية و ضاعفت معاناة الشعب. فلقد كان القمع الوسيلة الرئيسية الثابتة التي استعملها بن علي رأس العمالة والاستبداد و الفساد والحكومات والرؤساء الذي تعاقبوا على السلطة بعده وبدعم خارجي من أجل إخماد الانتفاضة الشعبية الباسلة التي خلخلت أركان النظام القائم خادم الدول الاستعمارية الكبرى. وبما أن القوى الرجعية لم تفلح في تحقيق ذلك الهدف فقد لجأت بالتوازي مع استعمال القمع إلى أساليب الاحتواء والدمغجة والتضليل للتحكم في الأوضاع المتأزمة في تونس.
2- تهريب بن علي و التآمر الاستعماري الرجعي على الانتفاضة
 تؤكد المعطيات المتوفرة أن بن علي وقع تهريبه الى " السعودية " بناءا على مخطط خارجي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. فالوضع المتأزم الذي عاشته البلاد في الفترة الأخيرة من حكمه، وقمعه للانتفاضة على امتداد شهر كامل وعجزه التام عن التحكم فيها، إضافة إلى الأهداف الاقليمية ( "المشروع الجديد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا") التي تخطط لها القوى الاستعمارية قد جعل هذه القوى تقرر تحت ضغط المد الثوري الجماهيري إبعاد بن علي وزمرته عن الحكم لأنه لم يعد الرجل المناسب الذي يعول عليه للسيطرة على الوضع في تونس ولخدمة مصالحها الآنية منها والمرحلية والاستراتيجية في القطر والمنطقة، و ترسخت بالتالي لدى أصحاب القرار القناعة بضرورة تغييره فهيأت له الظروف الطيبة للإقامة في السعودية اعترافا له بالجميل لما قدمه لها من خدمات جليلة على امتداد فترة حكمه. وعلى هذا الأساس واستنادا للقانون الرجعي السائد نصب جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الذي زار تونس آنذاك كل من فؤاد المبزع رئيسا للدولة وشكل حكومة الغنوشي في محاولة لإعادة الأوضاع لنصابها ولكن نضالات القوى الوطنية والجماهير الشعبية وفي مقدمتها اعتصامي القصبة 1 و 2 وضعا حد لهذا التمشي باسقاط حكومة الغنوشي وهو ما فسح المجال لتنصيب حكومة الباجي قايد السبسي بدعم فرنسي أوروبي.
33- مؤامرة "المجلس التأسيسي "و "الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطى"
 لقد باتت واضحة أمام القوى المضادة للانتفاضة والمسار الثوري عموما الداخلية والخارجية وأمام اصرار الجماهير على المضي قدما في نهج اسقاط النظام ضرورة تحويل اهتمامات الشعب عن الشرعية الثورية المهددة لوجود النظام الحاكم ومن ورائه الامبريالية العالمية لصالح " الشرعية الانتخابية البرلمانية" باعتبارها الطريق الوحيد أمام الائتلاف الطبقي الرجعي الحاكم لإجهاض الانتفاضة والمحافظة على النظام و بالتالي على مصالحه، فكانت تلك المهمة المركزية التي كلفت بانجازها حكومة الباجي قايد السبسي التي وضعت نصب أعينها الإجهاز على الانتفاضة والعودة بالوضع الاجتماعي في تونس إلى ما قبل 17 ديسمبر 2010 مع إحداث تغييرات طفيفة شكلية على الوضع الاجتماعي لا تمس من جوهر النظام. ولتحقيق ذلك بنجاح اتضح أنه لا بد من حياكة مؤامرة كان من بين خيوطها:
 أ- ركوب الباجي قايد السبسي والقوى الرجعة عموما على مطلب عقد مجلس تأسيسي الذي رفع كشعار في التحركات الشعبية وفي اعتصام القصبة الثاني وقد مثل ذلك مناورة سياسية ساهمت مع عوامل أخرى في فك ذلك الاعتصام.
ب- تخريب المجلس الوطني لحماية الثورة الذي تأسس في خضم النضالات الشعبية المتأججة بعد 177 ديسمبر 2010 كتتويجا لمسار تشكيل اللجان الجهوية والمحلية لحماية الثورة، وكان هذا المجلس قد ساهم في كنس حكومة محمد الغنوشي ثم طرح على نفسه في مرحلة ثانية مهمة اسقاط حكومة الباجي قايد السبسي وأصدر بيانا في الغرض بتاريخ 28 فيفري 2011. ولتسهيل عملية التخريب شكلت هيئة السبسي بن عاشور المعروفة بـ "الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطى" وهي عبارة عن فخ نصبتة الامبريالية وعملائها في القطر الهدف منه الالتفاف على الانتفاضة وذلك بإحكام تنظيم القوى الرجعية في جبهة عريضة وتوسيع قاعدة مواجهة الجماهير الشعبية المنتفضة وقواها الوطنية المناضلة ومحاصرة القوى الثورية لعزلها. وقد أفلحت هذه المؤامرة في تقسيم المجلس الوطني لحماية الثورة و وبالتالي في إضعافه وفسحت المجال واسعا لتمرير مخططات الدول الاستعمارية وخدمها في تونس وقد سهل تحقيق هذا الهدف انقلاب بعض الأطراف المكونة للمجلس على المسار النضالي الذي حدده المجلس وفي مقدمته اسقاط حكومة الباجي قايد السبسي بانخراطها في هيئة العمالة ومن هذه الأطراف نذكر أحزابا من جبهة 14 جانفي كحركة الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمل الوطني الديمقراطي وحزب الطليعة العربي الديمقراطي ونذكر أيضا قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين وجمعية القضاة التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ونقابة الصحفيين التونسيين وهي منظمات وجمعيات كان لها وزن في المجلس وتأثير الى حد ما في المسار الثوري الذي تعيشه البلاد. في المقابل رفضت بقية القوى المكونة لجبهة 14 جانفي وفي مقدمتها الوطنيين الديمقراطيين ( الوطد) ( حزب
الوطد الماركسي اللينيني حاليا) الانخراط في تلك الهيئة المعادية للشعب وخاضت نضالات ضدها كالتجمعات الاحتجاجية أمام مقر اجتماعاتها في شارع محمد الخامس وأمام المسرح البلدي بالعاصمة رفعت فيها عديد الشعارات المنددة بالهيئة والرافضة لمسارها الهادف إلى الإلتفاف على الانتفاضة والمُدينة للأطراف المشاركة فيها نذكر منها شعار" إستقالة، إستقالة يا هيئة العمالة"، فقمعت تلك الاحتجاجات أمام المسرح بالخصوص بوحشية من قبل حكومة الباجي قايد السبسي. لقد لعبت حكومة المبزع السبسي وبدعم خارجي دورا محوريا في وضع البلاد على سكة ما يسمى بمنظومة 23 أكتوبر الرجعية المرتهنة للقوى الاستعمارية وذلك بافلاحها في فك اعتصام القصبة 2 وفي تقسيم المجلس الوطني لحماية الثورة وجر العديد من القوى التي تدعى الوطنية والتقدمية الى فلكها وفي تهميش خط الشرعية الثورية لصالح انتخابات المجلس التأسيسي المزعوم، وبالتوازي مع كل ذلك أحكمت وزارة الداخلية وعلى رأسها الحبيب الصيد آنذاك استعمال العصا الغليظة لمحاصرة كل القوى التي رفضت الانخراط في هذا المخطط التي سطرته الولايات المتحدة الأمريكية ودول " الاتحاد الأوروبي" وصناديقها المالية النهابة. وبالرغم من كل ذلك تواصل النضال الثوري الجماهيري بمختلف أشكاله في مختلف أنحاء البلاد
4- "انتخابات" المجلس "التأسيسي" واحتداد الصراع الفرنسي الأمريكي على تونس
 إن سقوط "التجمع الدستوري الديمقراطي" وتفككه وحله قانونيا وضع الامبريالية أمام خيار وحيد للمسك من جديد بزمام الأمور في تونس يتمثل في دعم "حركة النهضة" حتى تتربع على سدة الحكم باعتبارها الحزب الوحيد الأكثر جاهزية آنذاك لتسلم السلطة من جهة ولأنها تمثل احتياطي القوى الاستعمارية الموثوق به للمحافظة على خضوع تونس للدوائر الاحتكارية العالمية من جهة ثانية. فكانت انتخابات 23 أكتوبر 2011 تجسيدا لهذا التوجه المعادي للشعب وللمسار الثوري. ولتحقيق هذ الغرض أغدقت الأموال الطائلة ووظفت وسائل الاعلام ووقع شراء الذمم وبذلت حكومة الباجي قايد السبسي كل ما في وسعها لتسهيل وصول "النهضة" للسلطة السياسية في تونس. وبما أن النهضة صناعة إنجليزية - أمريكية بالخصوص فقد فتحت مع وصولها للحكم أبواب القطر على مصراعيها أمام الاحتكارات الامريكية وقد تم ذلك على حساب مصالح فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي التي تحتكر منذ أكثر من قرن ونصف السوق التونسية و كذلك السوق الجزائرية والمغربية (80 % من معاملات تونس التجارية والسياحية الاقتصادية عموما تتم مع فرنسا و" الاتحاد الأوروبي"). إن ولاء "حركة النهضة" التام للامبريالية الأمريكية ولية نعمتها قد أجج الصراع الفرنسي الأمريكي على تونس، صراع وصل أوجه في ما سمي باعتصام الرحيل بباردو. وبالفعل فقد كان للدور الفرنسي تأثيرا كبيرا على تأسيس حركة "نداء تونس"، ثم "الاتحاد من أجل تونس" ثم "جبهة الانقاذ" فجبهة ما يسمى بالرباعي الراعي للحوار الوطني التي تضم كل من اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. ولقد كانت فرنسا وراء مبادرة ما يسمى بالحوار الوطني في جولاته الثلاث التي دعا إليه الرباعي المذكور. إن الاغتيالات السياسية التي عاشتها البلاد في فيفري وجويلية 2013 والتي طالت كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومسؤولية النهضة السياسية عنها قد فسح المجال واسعا أمام تشكل هذا التكتل السياسي الهائل بدعم فرنسي من أجل تغيير موازين القوى على الأرض بين النهضة والنداء ( أي بين فرنسا وأمريكا المتصارعتين على تونس) لتقاسم السلطة بينهما في المرحلة القادمة وهو ما يعني بالضرورة سعي فرنسا المحموم لإسترجاع تونس كسوق تقليدية لها. ومن المؤشرات التي تؤكد الدور الفرنسي في تشكيل التكتل الواسع المنافس للنهضة وفي مبادرة الحوار الوطني نذكر:
 أ- استقبال حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وللأول مرة في تاريخ الاتحاد رسميا عند زيارته لباريس من قبل وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس في جانفي 2013، وبدأ الحديث اثر تلك الزيارة عن الحوار الوطني.
ب- زيارة فرانسوا هولاند لتونس يومي 4 و 5 جويلية 20133 ولقائه بوفد يضم ممثلين عن "الاتحاد من أجل تونس" وعن الجبهة الشعبية نذكر منهم الباجي قايد السبسي و نجيب الشابي وأحمد ابراهيم وحمة الهمامي... وفي هذا اللقاء أعطيت إشارة انطلاق تأسيس "جبهة الانقاذ" التي أصدرت بيانها التأسيسي يوم 26 جويلية 2013 .
ت- لقاء الباجي الغنوشي في باريس يوم 15 أوت 20133 ، وهذا اللقاء بين أكبر حزبين متنافسين على خدمة مصالح الامبريالية العالمية والائتلاف الطبقي الرجعي العميل الحاكم في تونس لم يكن من باب الصدفة. لقد انعقد هذا اللقاء في ظرف تميز بـ:
- إزاحة الاخوان المسلمين من السلطة في مصر من قبل الجيش وعلى رأسه الجنرال عبد الفتاح السيسي في  3 جويلية 2013، فكان لهذا الحدث تأثيرا كبيرا على وضع الحركات الظلامية القروسطية في تونس وفي مقدمتها "حركة النهضة"وعلى تطورات الوضع في البلاد بعد 26 أكتوبر 2014 تاريخ "انتخابات" مجلس كبار السماسرة والملاكين العقاريين و"انتخابات" رئاسة الدولة التي تلتها. إن سقوط الاخوان في مصر قد أضعف حركة "النهضة في تونس" وجعلها تقوم بتنازلات كبيرة لصالح البرجوازية الكمبرادورية العميلة الماسكة بشرايين الاقتصاد وبدواليب الادارة والتي تعتبر حركة نداء تونس المتشكلة أساسا من الدستوريين والتجمعيين في ثوبهم الجديد تعبيرتها السياسية الأساسية، ومن هذه التنازلات نذكر القبول بالمشاركة في ما يسمى بالحوار الوطني بعد رفض الجلوس في دوراته الأولى مع الباجي قايد السبسي باعتباره حسب رأي النهضة زلما من أزلام "النظام السابق"، ثم التراجع عن قانون تحصين الثورة الذي "استهدفت" النهضة من خلاله التجمعيين ثم القبول باستقالة حكومتها وعلى رأسها علي العريض لفائدة ما سمي بحكومة "الوفاق أو التكنوكراط"
- تشكل جبهة الانقاذ في 26 جويلية 20133 التي مثلت تكتلا سياسيا واسعا غير موازين القوى في الصراع الدائر رحاه بين الائتلاف الحاكم بقيادة النهضة والأطراف المقصاة من السلطة وفي مقدمتها التجمعيين والدساترة.
 - احتداد المواجهات على الأرض بين القطبين الرجعيين المتنافسين على السلطة: النهضه وحلفائها من جهة والنداء والسائرين في نهجه من جهة ثانية. وكانت ساحة باردو مسرحا لتلك المواجهات التي أخذت شكل مسيرات حاشدة واعتصام باردو وامتدت على كامل أشهر أوت وسبتمبر 2013.
 إن عجز النهضة التام عن السيطرة عن الوضع المتأزم في تونس وعن إدارة الشأن العام وحل المشاكل الأساسية التي يعاني منها الشعب وتواصل النضال الثوري الجماهيري ضدها وسقوط الاخوان في مصر وتغول جبهة التجمعيين والسائرين في نهجهم وفي مقدمتهم الجبهة الشعبية بدعم فرنسي وركوبها للموجة الثورية وتوظيفها ضد النهضة في صراع رجعي من أجل العودة الى الحكم و احتداد الصراعات الداخلية في صفوف النهضة وتصدع جبهتها في الحكم، إضافة الى تنازل فرنسا عن السوق الليبية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كل هذه العوامل وغيرها جعلت الامبريالية الأمريكية تقوم بتنازلات في تونس لصالح الدولة الفرنسية الاستعمارية وذلك بفرضها على حركة النهضة جملة التنازلات التي أشرنا إليها أعلاه مقابل بقائها في الحكم وبتمثيلية أقل مما كانت عليه في أكتوبر 2011( العديد من اللقاءات وقعت بين الغنوشي وسفير الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت)
ج- لقاءات الجزائر
في سبتمبر20133 وبتدبير فرنسي تمت لقاءات بين كل من الباجي قايد السبسي و راشد الغنوشي خصصت لوضع اللمسات الأخيرة لتسلم حركة نداء تونس السلطة في البلاد والمتثلة أساسا في إنهاء ما يسمى بالمرحلة الانتقالية( وهو ما تم في أكتوبر 2014 اي بعد حوالي سنة من لقاءات الجزائر) وصياغة الدستور ( أنجز في 26 جانفي 2014) والقانون الانتخابي وتشكيل ما سميت بحكومة "الوفاق"( وقعت المصادقة على حكومة المهدي جمعة يوم 28 جانفي 2014) والاعداد لـ"لانتخابات التشريعية والرئاسية"( انجزت على التوالي في 26 أكتوبر و 23 نوفمبر 2014). وسيكون "الحوار الوطني" الذي انطلق يوم 5 أكتوبر 2013 الحاضنة التي سيتم داخلها الاتفاق على انجاز كل تلك المهام بناءا على التغيرات في موازين القوى بين القطبين الرجعيين المتصارعين( النهضة والنداء) على السلطة ومن ورائهما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا الدولتيتن الاستعماريتين المتصارعتين على تونس.
5- "مؤتمر الحوار الوطني ": خدعة جديدة للشعب
 شكل ما سمي بالحوار الوطني مؤامرة جديدة حاكتها القوى الرجعية المرتهنة للأجنبي والسائرين في نهجها لخداع الشعب تحت غطاء شعارات "الوفاق الوطني وتحقيق أهداف الثورة وإنقاذ تونس من الوضع الي تردت فيه"، وتمثلت الأهدف الحقيقية لهذا الحوار في سعي تلك القوى الى تقاسم السلطة لإنقاذ النظام الفاسد، المهترئ، المرتبط عضويا بالدوائر الاحتكارية العالمية، وفي توحيد جهودها من أجل امتصاص الغضب الشعبي وإحكام السيطرة من جديد على الوضع المتأزم الذي تعيشه البلاد، وفي القضاء على المسار الثوري الذي تأجج منذ 17 ديسمبر 2010، ولذلك كانت نتائج هذا الحوار حجر عثرة أمام تحقيق المطالب الشعبية الداعية إلى إسقاط النظام، و محاسبة قتلة الشهداء و المجرمين المسؤولين عن اغتيال الشهيدين شكرى بلعيد و محمد البراهمى وغيرهما كن شهداء الانتفاضات الشعبية ، و حل المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية المتفاقمة و خاصة البطالة و غلاء الأسعار والتقدم بالمسار الثوري من أجل تحقيق التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي. و كان الراعي الحقيقي لـ "مؤتمر الحوار الوطني" هو الامبريالية العالمية و خاصة الأمريكية و الفرنسية، وفي لقاءات باريس والجزائر بين رئيسي النهضة و نداء تونس أزيحت آخر العراقيل المعطلة للمؤتمر المذكور و ومُهّد الطريق أمام لقاءات سفراء الدول الاستعمارية و قيادات عديد الأحزاب المشاركة فيه، وهو دليل آخر يكشف عن تدخل سافر للامبريالية في شؤون تونس.
 إن الصراع الاستعماري الأمريكي الفرنسي على تونس الذي يجسده الصراع على السلطة بين النهضة ونداء تونس والسائرين في نهجهما هو الذي أفرز ما يسمى بالمؤتمر الوطني للحوار بين الأحزاب التي لها عضوية في "المجلس التأسيسي" وما يسمى بالرباعي الراعي للحوار، و القوى الامبريالية المتصارعة هي التي تتحكم فيه وتوجهه وتوظفه لخدمة مصالحها في تونس والمنطقة عموما. فالقبول ب "خارطة الطريق" من قبل "النهضة" و"النداء" ومن لف لفهما هو استجابة لتوصيات أسيادهما في الخارج أملتها ضرورة التوافق من أجل مواجهة المد الثوري والتحكم في الوضع المتأزم الذي يتطلب - في ظل عجز الائتلاف الحاكم التام - تقاسم السلطة بين النهضة والتجمعيين الذين أصبحوا اليوم - بعد أن تنظموا بدعم خارجي في أحزاب جديدة وتحالفوا في جبهات سياسية - يشكلون قوة منافسة لها تجربة في الحكم مكنتهم من العودة بقوة للنشاط السياسي في مرحلة أولى ومن العودة الى الحكم في مرحلة ثانية. ويعكس هذا التقاسم بدوره الصراع من أجل إعادة تقسيم تونس بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في إطار الصراع الامبريالي الهادف الى إعادة تقسيم العالم وفي ظل تغير موازين القوى على الأرض لصالح "نداء تونس" على حساب النهضة بعد تشكل " جبهة الانقاذ". أما الصراعات المهزلة الطاغية على "الحوار" المزعوم التي شاهدناها فهي تعكس التنافس على خدمة مصالح الامبريالية. فكل طرف رجعي عميل يسعى إلى فرض شروط إحدى القوى الاستعمارية على الطرف الآخر التي تضمن له بسط سيطرته على تونس. إن جوهر السياسة التي تحرك القوى المنخرطة في الحوار الوطني في ظل ضعف القوى الثورية المناضلة من أجل تحرير تونس و المدافعة عن مصالح الجماهير الشعبية هي التوافق بين أعداء الشعب من أجل مواجهة الوضع الثوري الذي تعيشه البلاد والتحكم في الأزمة الخانقة التي تهدد مصالح الدول الاستعمارية ووكلائها المحليين من جهة والصراع في الوقت نفسه من أجل المحافظة على الوجود في السلطة لمن يمسك بها أو الوصول إليها لمن يلهث وراءها لخدمة المصالح الأنانية الضيقة.
6- زرع الارهاب واستعماله كفزاعة لإخضاع الشعب لسياسة الأمر الواقع ولتخريب الانتفاضة
 شكّلت موضوعة الإرهاب و ستظلّ تشكّل أداة إيديولوجية و سياسيّة ونفسيّة وعسكريّة تستخدمها الامبرياليّة والأنظمة الدّائرة في فلكها في العصر الحديث، عصر الامبرياليّة والثّورات الاشتراكيّة والوطنيّة الدّيمقراطيّة ، كمخرج لأزماتها المستعصية وكلّما استشعرت تهديدا استراتيجيّا لمصالحها الحيويّة. وتمارس الدّول الامبرياليّة إرهاب الدّولة معبّئة في ذلك الدّول و التّنظيمات العميلة لها في شتّى أنحاء العالم من أجل قمع إرادة الشّعوب و الأمم في التّحرّر الوطني و الانعتاق الاجتماعي ومن أجل بسط سلطة الاحتكارات الامبرياليّة على مصادر الطاقة والثروات الطبيعية عموما واغتصاب أسواق جديدة. أي إنّ إرهاب الدّول الامبرياليّة أصبح جزءا من سياستها الهادفة إلى إعادة تقسيم العالم سياسيّا واقتصاديّا.
 الإرهاب إذا هو ايديولوجيّة رجعيّة على طول الخطّ قابلة للتّصنيع و بالتّالي للتّصدير والمضاربة والتّلاعب والاحتكار والتّمويه تخضع لقانون السّوق بل تلعب دورا في تعديل السّوق العالميّة عرضا و طلبا. والدّول والمنظّمات المتبنّية لتلك الإيديولوجية تستمدّ قوّتها من قوّة المتنفّذين في السّوق العالميّة من قوى اقتصاديّة وتخضع لمشيئتها وتضغط باتّجاه تحقيق مصالحها. فالإرهاب ملازم للاحتكار والمنافسة الاقتصاديّة بين كبريات الشّركات الرّأسماليّة الاحتكاريّة ودولها الاستعمارية إذ يلعب دور الذّراع المسلّحة السّريّة التّي بفضلها تشكّل الاحتكارات أحلافها العالميّة وبفضلها تنشر ما يسمونه بـ "الفوضى الخلاّقة" أي القادرة على إعادة تشكيل وحدة رأس المال الاحتكاري العالمي على أسس و قواعد متوافقة مع مستوى التّطوّر الذّي تبلغه القوى المنتجة ووسائل الإنتاج في كلّ حقبة تاريخيّة أي مع مستوى تطوّر الصّراع الطّبقي والنضال الوطني على الصّعيد الأممي.
 على هذ الأساس شكلت الامبريالية العالمية الأمريكية منها بالخصوص تنظيم القاعدة وعلى رأسه أسامة بن لادن وحركة طالبان بقيادة المولى عمر وأنصار الشريعة وقائده أبو عياض وداعش وعلى رأسها أبا بكر البغدادي وغيرها من المنظمات الارهابية وزرعتها في العديد من البلدان التي تمثل أهدافا استراتيجية لرأس المال الاحتكاري العالمي وتعيش مخاضا ثوريا ودعمتها بالمال وبأحدث العتاد الحربي واللوجستي عموما لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية سواء في إطار الصراع بين الكتل الرأسمالية والدول الامبريالية أو للقضاء على الحركات الوطنية التحررية. ولنا نماذج متعددة في ما يقع في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن..
 وفي تونس وظفت الامبريالية وعملائها الارهاب لتخريب الانتفاضة. فبتصعيد " النهضة " للحكم فتحت الامبريالية الأبواب على مصراعيها لتطور ظاهرة الارهاب وانتشارها في كل مكان من القطر ولتسرب العصابات الارهابية من كل حدب وصوب ولدخول السلاح وتخزينه. وعبر الحركات الارهابية وعلى رأسها حركة النهضة قامت الامبريالية الأمريكية بالخصوص بدور لا يستهان به في تخريب الانتفاضة وذلك ب:
-  السعي المحموم لتهميش حركة الصراع الطبقي والنضال الوطني بعملها على تحويل المعركة الوطنية والطبقية المندلعة من خلال الانتفاضة ضد الاستعمار ووكلائه المحليين إلى معركة بين الكفر والالحاد و حول أسلمة المجتمع و حول النقاب والحجاب والسفور وتعدد الزوجات والفصل بين الذكور والايناث وختان البنات وحرمان النساء من الشغل الخ..
 - تمكين المنظمات الارهابية من النشاط القانوني والتدرب في الجبال وحماية العديد من عناصرها وتمكينها من التنقل بحرية في كافة أنحاء البلاد للقيام بعملها التخريبي للمسار الثوري، ويكفي أن نشير هنا الى واقعة أبو عياض في جامع الفتح الذي سُمح له بمغادرة المسجد بقرار من حكومة النهضة وعلى رأسها علي العريض والمنصف المرزوقي
 - نشر الفكر الخرافي الوهمي في كل مكان من القطر والسعي بالعودة بالمجتمع الى العصور القروسطية المظلمة بوسائل متعددة منها الدعوة الى دولة الخلافة
 - نشر "المدارس القرآنية " المتاجرة بالدين في كل مكان وغسل الأدمغة لتغريب الأطفال وتهميش وعيهم وتدجينهم
 - بث الرعب في صفوف الشعب من خلال العمليات الارهابية الفظيعة ( قتل، ذبح، التنكيل بالجثث) وزعزعة أمنه لإجباره على القبول بالأمر الواقع والتخلي عن النضال الثوري.
 - تجنيد أعداد هائلة من الشباب الثائر المفقر والمهمش والمحبط وتهجيره من أجل إبادته في الحروب الرجعية في كل من سوريا والعراق وليبيا وغيرها من الأقطار.
 - استعمال العنف الرجعي لإرهاب المناضلين السياسيين الوطنيين واغتيال العديد منهم لبث البلبلة والفوضى ولفرقعة القوى المناضلة المؤثرة في الانتفاضة. ونذكر في هذ الصدد التهديد بالقتل والاعتداء على الفنانين و على عدد من السياسيين وعلى المعالم الأثرية والاغتيالات السياسية
7- تخريب الجبهة الشعبية جزء من مسار الالتفاف على الانتفاضة
تأسست الجبهة الشعبية في 7 أكتوبر 20122 وكان حزب
الوطد الثوري الماركسي اللينيني ( الحزب الوطني الاشتراكي (الوطد) سابقا) واحدا من مؤسسيها وفاعلا أساسيا في تحديد التوجه الوطني الديمقراطي لأرضيتها السياسية وفي صياغة نظامها الداخلي وبرنامجها العملي المناضل. وبحكم توجهها الوطني المناضل الذي حدد منذ البداية، وحفاظها على استقلاليتها السياسية والتنظيمية على عملاء الامبريالية وكل الانتهازيين السائرين في نهجهم وتبنيها لمطالب الشعب الكادح وانخراطها في النضال الميداني الجماهيري من أجل تحقيق تلك المطالب وأهداف الانتفاضة أصبحت الجبهة الشعبية في ظرف حوالي 5 أشهر( بين 7 أكتوبر 2012 تاريخ تأسيسها و 6 فيفري 2013 تاريخ اغتيال شكري بلعيد) قوة سياسية لايستهان بها تحرك عشرات بل مئات الآلاف من الجماهير الشعبية في الشوارع وتعمل على تطوير المسار الثوري في مواجهة الاستقطاب الثنائي الرجعي التخريبي للإنتفاضة الشعبية بين أحزاب اليمين الليبرالية منها وفي مقدمتها حركة نداء تونس" والاقطاعية الظلامية القروسطية بمختلف تلويناتها وعلى رأسها "النهضة" بدائل الامبريالية. ولهذه الأسباب بات من الضروري تخريبها حتى يسهل تمرير مؤامرة خارطة الطريق التي أقرها الحوار الوطني المزعوم والتي انخرطت فيها القيادة المتنفذة في الجبهة الشعبية. ولذلك استهدفت الجبهة الشعبية بوسائل مختلفة نذكر منها:
- تعرضها للقمع في مرحلة أولى ( اعتداءات بالعنف على مناضليها في التحركات على المستوى الوطني وفي الجهات) ثم تهديد قياداتها بالتصفية الجسدية ثم الاغتيالات السياسية التي طالت كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي و محمد بالمفتي.
-  محاصرة القوى الثورية فيها والسعي إلى عزلها في محاولة لتسهيل تدجين الجبهة. وفي هذا الصدد استهدفت أطراف منها وفي مقدمتها حزب
الوطد الثوري وكانت الأحزاب المتنفذة فيها هي أداة التنفيذ.
 - احتواء الجبهة من أجل ترويضها وتدجينها وذلك بتشريك الأطراف المتنفذة فيها في جبهة الوفاق مع أعداء الشعب المحليين والاستعماريين وقد تجسد ذلك عمليا بانخراطها في ما يسمى بجبهة الانقاذ و في الحوار الوطني المزعوم وبسعيها للتوافق مع حركة " لنهضة"مما مكنها من المحافظة على موقعها في السلطة. ولم يكن هذ الاحتواء ممكنا إلا لأن الأطراف الانتهازية في قيادة الجبهة وفي مقدمتها حزبي العمال والموحد استسلمت للقوى المضادة للمسار الثوري واختارت عن وعي أن تكون الى جانب " نداء تونس" في الاستقطاب الثنائي بينه وبين النهضة بسبب لهثها المحموم وراء المواقع في البرلمان الرجعي وفي مختلف مؤسسات الدولة. وبمراهنة قيادة الجبهة الشعبية على التجمعيين والدساترة وعلى رؤساء الدول الاستعمارية و سفرائها ( فرنسا ودول " الاتحاد الأوروبي الأخرى، الولايات المتحدة..) كفت الجبهة الجبهة الشعبية نهائيا عن أن تكون بديلا وطنيا شعبيا وأصبحت جزءا من الديكور السياسي الرجعي المزين لوجه النظام العميل الحاكم في تونس ، وبتلك المراهنة انقلبت تلك الاطراف على أرضية الجبهة السياسية وتخلت عن المسار الثوري لتحقيق أهداف الإنتفاضة وارتمت في أحضان أعداء الشعب (التجمعيين في "الانقاذ"، ثم "النداء" و"النهضة" في "الحوار الوطني" المزعوم ثم رؤساء الدول الامبريالية وسفرائها) وقامت تدريجيا بتنازلات لا مبدئية لهم . ولقد وصل بها الأمر ببعضهم حد اللهث وراء نواب "النهضة" و"المؤتمر" لتزكية الناطق الرسمي باسم الجبهة في الترشح لـ "لانتخابات الرئاسية"، وحد التصويت لمحمد الناصر الذي كان دستوريا وتجمعيا ووزيرا في عهد بورقيبة وبن على ومرشحا لنداء تونس في رئاسة البرلمان الرجعي (14نائب للجبهة في البرلمان من جملة 15 صوتوا لمحمد الناصر بينما لم يصوت أحدا من "نداء تونس" لمباركة البراهمي مرشحة الجبهة) و حد التصويت للباجي قايد السبسي في الانتخابات الرئاسية، وهو مايؤكده بيان الجبهة الذي وقعت فيه الدعوة إلى المشاركة في دورة الانتخابات الرئاسية الثانية بكثافة وإلى عدم التصويت للمرزوقي (وصل إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية كما هو معلوم كل من المرزوقي والباجي). فماذا يعني ترك حرية التصويت لأنصار الجبهة والدعوة في الوقت نفسه الى عدم التصويت للمرزوقي؟ إنه يعني بشكل غير مباشر التصويت للباجي قايد السبسي. وأمام هذا الخيار المستسلم وقف حزب
الوطد الثوري بكل ما أوتي من قوة على امتداد أكثر من سنة، وبالتنسيق مع بعض الأطراف المكونة للجبهة في وجه هذا التوجه الانتهازي الذي جرالجبهة إلى منظومة 23 أكتوبر مشروع الامبريالية ووكلائها المحليين، ولكن موازين القوى داخل الجبهة التي كانت لصالح الانتهازيين لم تسمح بتغيير مجرى الأمور على الأرض. وعلى هذا الأساس وضع حزب الوطد الثوري وأطراف أخرى حدا لنشاطهم في الجبهة الشعبية وخاضوا الصراع ضد قيادتها المنقلبة. لقد لعبت تلك الأطراف دورا هاما في مسار الالتفاف على الانتفاضة الذي رسمته الامبريالية وعملائها في القطر لما:
- ساهمت الأطراف المتنفذة في الجبهة في تخريب الانتفاضة و في إجهاض المسألة الوطنية
 - ساعدت تلك الأطراف القوى الرجعية العميلة والامبريالية على ترميم صفوف النظام الحاكم العميل وعلى إحكام سيطرته من جديد على الجماهير الشعبية ( عودة التجمع الى السلطة وفك عزلة النهضة وتمكينها من مواصلة التواجد في الحكم) وعلى خنقه لهامش الحريات الذي تحقق بالنضال الثوري وقمعه للنضالات الشعبية المتأججة من جديد.
- أضعفت الجبهة الشعبية التي أصبحت غير قادرة على تحريك العشرات في الشارع
 - قبلت بتوظيف القوى العميلة( "نداء تونس" بالخصوص) لها من أجل الوصول إلى السلطة ثم رمت بها على قارعة الطريق بعد تحقيق أهدافها( التصويت على رئاسة المجلس / الصراعات حول لجنة المالية في المجلس / الشجار المكشوف وتبادل العنف بين نواب الجبهة من جهة ونواب " نداء تومس من جهة ثانية)
 - ساهمت في تهميش ملف اغتيال شكري بلعيد والبراهمي وبالمفتي وشهداء الانتفاضات الشعبية عموما وجرحاها.
 ونتيجة لكل ذلك تفجرت الصراعات داخل الجبهة بين الأطراف المتنفذة فيها وظهرت للعلن ( الصراع على شبكة الموقع الاجتماعي بين الموحد وحزب العمال في الذكرى الثانية لإغتيال شكري بالعيد بالخصوص)،كما تفجر الصراع داخل العديد من الأحزاب المكونة للجبهة بين قواعد تلك الأحزاب وقياداتها مما تسبب في العديد من الانسحابات. وبتخريب التجربة الوطنية للجبهة الشعبية فقد الشعب المنتفض سندا سياسيا له وفُتح الباب على مصراعيه أمام القوى الاستعمارية وخدمها في القطر لتحكم من جديد سيطرتها على القطر وعلى الجماهير الشعبية بالخصوص.
8- "انتخابات" أكتوبر و نوفمبر 20155 التشريعية والرئاسية وإعادة الوضع في البلاد مؤقتا الى نصابه قبل 17 ديسمبر 2010
من قمع الانتفاضة البوليسي والعسكري إلى خدعة المجلس التأسيسي ومنظومة 233 أكتوبر عموما إلى معزوفة انهاء المرحلة الانتقالية وإنجاز "انتخابات" أكتوبر ونوفمبر 2014 التشرسعية والرئاسية تقدمت القوى المضادة للمسار الثوري وبدعدم فرنسي أمريكي بالخصوص خطوات هامة في إعادة بسط سيطرتها على القطر. فالائتلاف الطبقي الرجعي العميل الحاكم في تونس بين كبار السماسرة والملاكين العقاريين ما زال محافظا على موقعه في السلطة، وتوسعت قاعدة أعداء الشعب بتحالف كل من "النداء والنهضة" وتقاسمهما للسلطة تنفيذا لتوصيات الدوائر الاحتكارية العالمية والدول الاستعمارية، وتعززت أجهزة الدولة القمعية وبدأت تتقدم أشواطا في فرض سياسة الأمر الواقع على الشعب المنتفض باستعمالها العصا الغليضة تحت غطاء فرض هيبة الدولة، وبدأت زيارات السبسي - المغلفة بمعزوفة تطوير أواصر الصداقة والتعاون- إلى كل من باريس وواشنطن تعمق تكبيل تونس بالمديونية وتزج بها في تكتلات جهوية وإقليمية تخدم استراتيجيات الامبريالية العالمية في شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، وما "مذكرة التفاهم الطويلة المدى" بين تونس والولايات المتحدة التي أمضاها مؤخرا كل من جون كيري وزير خارجية أكبر دولة استعمارية ومحسن مرزوق أحد قادة الأوطاج تاريخيا وأمين عام حزب التجمعيين في ثوبهم الجديد واحد خدم الباجي قايد السبسي سوى اعتداء صارخ جديد على كرامة شعبنا العربي في تونس 

هكذا نرى إذن أن مقولة  تونس هي بلد شبه مستعمر أو مستعمر بشكل غير مباشر انكشفت حقيقتها بمزيد من الوضوح على امتداد السنوات الخمس الأخيرة التي تلت انتفاضة 17 ديسمبر 14 جانفي. فتدخل دول "الاتحاد الأوروبي" وفي مقدمته فرنسا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر في الشؤون الداخلية لتونس لغايات استعمارية عدوانية ( تصدير البضائع وتوظيف رؤوس الأموال لمراكمة الارباح الطائلة، نهب الثروات الطبيعية، استغلال العمال بحكم ضعف الأجور والامتيازات التي تمنحها القوانين الرجعية لأصحاب رأس المال، توظيف عسكري استراتيجي...) أمر لا لبس فيه. وللأسباب الاقتصادية والسياسية والعسكرية أساسا التي أشرنا إليها تدخلت القوى الاستعمارية بقوة بأشكال مختلفة لإخماد الانتفاضة الشعبية في تونس معتمدة على عملائها في القطر الليبرالين منهم والاقطاعيين وعلى الانتهازيين خدمهم الأذلاء. فطالما يوجد استعمار في تونس واستغلال طبقي واضطهاد فلن تعالج المشاكل التي تخبط فيها الشعب وما يزال وستتواصل معاناة الجماهير الشعبية الكادحة على جميع المستويات مما سيولد بانتظام الحركات الاحتجاجية والانتفاضات الشعبية والثورات. وبالرغم من محاولات معسكر القوى المضادة للمسار الثوري للاجهاز على الانتفاضة فإن الجذوة الثورية لم تنطفئ بعد، ولن تنطفئ ما دام الاستعمار وووكلائه جاثمين على صدر تونس ينهبونها ويمتصون دماء أبنائها، ولذلك ما زلنا نعيش وبالخصوص في الآونة الأخيرة الإضرابات والاعتصامات والانتفاضات المحلية وغيرها من أشكال النضال كأسلحة تدافع بها الجماهير عن حقها في الوجود والعيش الكريم. فالحل يكمن في المرحلة القادمة في العمل من أجل انجاز المسألة الوطنية وتحقيق المهام الديمقراطية من وجهة نظر الطبقة العاملة وعموم الكادحين بمعنى تحرير تونس من الاستعمار والرجعية وارساء نظام وطني ديمقراطي شعبي يضمن المساواة الفعلية في ملكية وسائل الانتاج ومردود العمل وفي الحقوق والواجبات ويقضي على الاستغلال والإضطهاد. إن انجاز المسألة الوطنية من وجهة النظر هذه يتطلب تنظيما ثوريا لا يهادن ولا يستسلم وجبهة وطنية ثورية واسعة وموحدة منحازة للشعب يقودان نضالا عماليا وجماهيريا ثوريا متعدد الأشكال دون هوادة ولا كلل ضد الاستعمار بمختلف أشكاله وضد وكلائه المحليين وكل الانتهازيين السائرين في ركابهم.

حزب الوطد الثوري الماركسي اللينيني 
جوان 2015
 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المعتقلين السياسيين على خلفية مؤامرة 24 ابريل 2014

اراء حرة ..... وثائق ومناقشات

لكسر جدار الصمت .....